مقالات

لماذا قاطعنا الانتخابات

صادق المطلك

بعد سنوات من خيبات متتالية وخروقات فادحة تتكرر مع كل اقتراع، اتخذنا قرار مقاطعة الانتخابات بالرغم من إيماننا بالديمقراطية ولكن السبب في بساطة هو رفضنا بشكل قاطع لمن هم داخل العملية السياسية وايماننا بأنهم حولها إلى أداة لإعادة إنتاج الخراب، فالصناديق التي يفترض أن تكون مرآة لإرادة الناس، تحوّلت إلى صناديق مغلقة على اتفاقات مسبقة، ومناصب مضمونة، ونتائج مدفوعة اثمن مسيقا.
حيث تبدو العملية الانتخابية في ظاهرها ممارسة ديمقراطية، لكنها في العمق لا تتعدى كونها استعراضًا شكليًا لإيهام الداخل والخارج بأن هناك تداولًا سلميًا للسلطة، ولكن عى أرض الواقع، السلطة لا تتغيّر، بل تعيد إنتاج نفسها عبر شخصيات جديدة أو قديمة بوجوه مختلفة، وبتمويل أكبر، وتحالفات أوسع، وتنازلات أكثر واخرها التنازل وبكل سهولة عن خور عبدالله وتقديمها على طبق من ذهب للكويت ، أما بالنسبة للمواطن فهو مغلوب على امره فهو غالبًا لا يعرف لمن يمنح صوته، وغالبًا لا يرى من انتخبه بعد انتهاء الانتخابات، أما المرشح فعليه أن يمتلك المال، الحماية، والرضا السياسي من أكثر من جهة، محلية وخارجية بمعنى آخر أن يكون له دعم وولاءات خارجية مقابل تنفيذ اجندات داخل البلاد عند الفوز.
والمرشح في العراق لايخوض الانتخابات بناء على برنامجه أو كفاءته، إنما بناء على حجم ما يمتلكه من مال سياسي الذي ينفق بلا حساب ويوزع على شكل هدايا وعطايا على المواطنين لشراء الذمم، ويهدر في الولائم والدعايات، وهو مايعرف بالمال السياسي، والمواطن الفقير يذهب إلى الاقتراع لأنه بحاجة إلى كيس طحين أو وعد بوظيفة، فيصبح صوته سلعة تباع وتشترى، لا أداة تغيير، وهكذا فإنه لا يدخل البرلمان إلا من يملك المال، لا من يملك الكفاءة.
أما عن نزاهة الانتخابات، فحدّث ولا حرج، هناك من يفوز قبل أن تُفتَح صناديق الاقتراع، وهناك من يقصى لأنه لم يرضي مراكز القرار، أو لم يمتلك وسيلة للتأثير على “العدّ والفرز”، حيث أت عمليات التزوير، هي أشبه بمنظومة كاملة تعمل منذ لحظة تسجيل المرشحين، إلى توزيع المراكز، إلى تجميع النتائج، ووسط كل هذا، تغيب الرقابة الحقيقية، ويتواطأ الجميع في تمرير “النتيجة الشرعية” التي يريدونها.
الأخطر من ذلك كله، أن القرار العراقي في الانتخابات – كغيرها من مفاصل الحياة السياسية – مرتهن لمعادلات إقليمية ودولية، فالفوز لا يتحقق فقط عبر الناخبين، بل عبر الرضا الخفي من عواصم القرار، وخاصة دول الجوار، هذا يرضى عنك، وذاك يزكيك، وثالث يسكت عن تجاوزاتك، والنتيجة أن من يُنتخب لا يعبر عن إرادة الداخل، بل عن توافقات الخارج، لانها عملية سياسية تدور في فضاء لا علاقة له بالإرادة الشعبية.
أمام هذا المشهد الذي بات يعرف العراقيين ويعيشوه مع كل انتخابات، لم يعد غريبًا أن تتدنى نسب المشاركة، لان المقاطعة أصبحت تعبيرًا صادقًا عن قناعة عامة بأن الانتخابات لن تغيّر شيئًا، فالوجوه نفسها تعود، والأزمات نفسها تتكرر، والناس يزدادون فقرًا، وجوعًا، وبلا خدمات .
وأمام هذه النقاط التي أوردتها في مقالي فإنني لا أدعو الى رفض الديمقراطية، بل نريد انتخابات تحكمها مؤسسات مستقلة، لا رغبات الأحزاب، انتخابات لا تشترط المال أو الولاء، بل تكافئ البرامج والشفافية، وتفرز مسؤولين يحكمون باسم الشعب ولسان حالهم، لا باسم مموليهم وتبعيتهم وحتى يحدث ذلك، فإنه من وجهة نظرنا لا معنى للمشاركة في عرض هزلي تكتب نهايته مسبقًا.
لهذا فإننا نقاطع الانتخابات لأننا لا نريد أن نكون شهود زور، نصوّت ثم نلعن النتائج، لا نريد الخوض في لعبة تعرف السلطة أنها رابحة فيها سلفًا، قاطعناها لأننا نبحث عن دولة، لا عن وظيفة في مكتب نائب، أو مصالح انتخابية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى